كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَمْثِلَةَ الْمَائِلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْوَارِدَةِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ مِمَّا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ إِبْدَائِهَا يَسُوءُ السَّائِلِينَ عَنْهَا، بَلْ يَحْتَمِلُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَسُرُّ، وَقَدْ كَانَ جَوَابُ مَنْ سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ سَارًّا لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَأَلَ عَنِ الْحَجِّ إِذْ كَانَ جَوَابُهُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ وَعَنِ الْأُمَّةِ بِبَيَانِ كَوْنِ الْحَجِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْتَطِيعٍ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ سَائِلٍ عَنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلَا يَظْهَرُ تَعْلِيلُ النَّهْيِ، بِهَذَا الشَّرْطِ، كُلُّ هَذَا يَسْقُطُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُصَدَّرَةِ: بِـ «إن» عَلَى احْتِمَالِ وُقُوعِ شَرْطِهَا لَا عَلَى الْقَطْعِ بِوُقُوعِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ «وَيْحَكَ مَاذَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ؟ وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ» إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ جَرِيرٍ: «وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ، أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ» فَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ احْتِمَالِ قَوْلِهِ: «نَعَمْ» كَانَ كَافِيًا فِي جَوَابِ تَرْكِ ذَلِكَ السُّؤَالِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي سُؤَالِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ لَهُ: «مَا رَأَيْتُ وَلَدًا أَعَقَّ مِنْكَ، أَتَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَارَفَتْ مَا قَارَفَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ؟» وَسَيَأْتِي رَأْيُنَا فِي جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ حُذَافَةَ.
{وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} أَيْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ جِنْسِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَكُونَ إِبْدَاؤُهَا مِمَّا يَسُوؤُكُمْ حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ فِي شَأْنِهَا أَوْ حُكْمِهَا لِأَجْلِ فَهْمِ مَا نُزِّلَ إِلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللهَ يُبْدِيهِ لَكُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَبِنَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، فَإِنَّهُ بَعْدَ إِيرَادِ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ فِي السُّؤَالِ عِنْدَ تَفْسِيرِ صَدْرِ الْآيَةِ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا نَصُّهُ:
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِينِ نَهَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْ فَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْهَا عَلَيْهِمْ، وَتَحْلِيلِ أُمُورٍ لَمْ يُحَلِّلْهَا لَهُمْ، وَتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ لَمْ يَحَرِّمْهَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ السَّائِلُونَ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ رَسُولِي مِمَّا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ كِتَابًا وَلَا وَحْيًا لَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَكُمْ تِبْيَانٌ بِوَحْيٍ وَتَنْزِيلٍ سَاءَكُمْ؛ لِأَنَّ التَّنْزِيلَ بِذَلِكَ إِذَا جَاءَكُمْ فَإِنَّمَا يَجِيئُكُمْ بِمَا فِيهِ امْتِحَانُكُمْ وَاخْتِبَارُكُمْ، إِمَّا بِإِيجَابِ عَمَلٍ عَلَيْكُمْ، وَلُزُومِ فَرْضٍ لَكُمْ، وَفِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ مَشَقَّةٌ، وَلَوْمٌ وَمُؤْنَةٌ وَكُلْفَةٌ، وَإِمَّا بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يَأْتِ بِتَحْرِيمِهِ وَحْيٌ كُنْتُمْ مِنَ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ فِي فُسْحَةٍ وَسَعَةٍ، وَإِمَّا بِتَحْلِيلِ مَا تَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، وَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مَسَاءَةٌ لِنَقْلِكُمْ عَمَّا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَقًّا إِلَى مَا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ بَاطِلًا، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ سَأَلْتُمْ عَنْهَا بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِهَا، وَبَعْدَ ابْتِدَائِكُمْ شَأْنَ أَمْرِهَا فِي كِتَابِي إِلَى رَسُولِي إِلَيْكُمْ بَيَّنَ عَلَيْكُمْ مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِ كِتَابِي وَتَأْوِيلِ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي.
وَذَلِكَ نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا، ثُمَّ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ، وَرَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ انْتَظَرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ثَعْلَبَةَ وَسَتَعْلَمُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي بَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ: أَيْ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ تَسْتَأْنِفُونَ السُّؤَالَ عَنْهَا فَلَعَلَّهُ قَدْ يَنْزِلُ بِسُؤَالِكُمْ تَشْدِيدٌ أَوْ تَضْيِيقٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا مُجْمَلَةً فَسَأَلْتُمْ عَنْ بَيَانِهَا بُيِّنَتْ لَكُمْ حِينَئِذٍ لِاحْتِيَاجِكُمْ إِلَيْهَا {عَفَا اللهُ عَنْهَا} أَيْ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ فَاسْكُتُوا أَنْتُمْ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ عَنْهَا، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا».
أَقُولُ: أَمَّا حَدِيثُ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «دَعُونِي» فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَبُهُ السُّؤَالُ عَنِ الْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَقَدْ عَزَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ إِلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَلَا أَشَارَ إِلَى مَنْ خَرَّجَهُ، وَهُوَ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَوْرَدَهُ صَاحِبُ مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ: وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا».
وَرُوِّينَاهُ فِي الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ عَنْهُ بِلَفْظِ: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَثَمَّ وَجْهٌ ثَانٍ فِي مَعْنَى الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ تَسْأَلُوا عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَعَهْدِ التَّشْرِيعِ يُظْهِرْهَا اللهُ لَكُمْ إِنْ كَانَتِ اعْتِقَادِيَّةً بِبَيَانِ مَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَمَلِيَّةً بِبَيَانِ حُكْمِهَا، لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمًا يَلِيقُ بِهِ فِي عِلْمِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ، وَاللهُ تَعَالَى يُبَيِّنُ لِعِبَادِهِ بِنَصِّ الْخِطَابِ مَا لابد لَهُمْ مِنْهُ لِصَلَاحِ أَمْرَيْ مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ وَبِفَحْوَى الْخِطَابِ أَوِ الْإِشَارَةِ مَا يُفْتَحُ لَهُمْ بَابُ الِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ مَا لَهُ عَلَاقَةٌ بِأُمُورِ مَصَالِحِهِمْ، فَيَعْمَلُ كُلُّ فَرْدٍ أَوْ هَيْئَةٍ حَاكِمَةٍ مِنْهُمْ بِمَا ظَهَرَ أَنَّهُ الْحَقُّ وَالْمَصْلَحَةُ، وَيَنْتَهِي عَمَّا يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ الْبَاطِلُ وَالْمُفْسِدُ، فَيَكُونُ الْوَازِعُ لِلْفَرْدِ فِي الْمَسَائِلِ الشَّخْصِيَّةِ مِنْ نَفْسِهِ بِحَسَبِ دَرَجَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضِيلَةِ، وَلِلْمَجْمُوعِ فِي الْأَحْكَامِ وَالسِّيَاسَةِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِتَشَاوُرِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَفِي ذَلِكَ مُنْتَهَى السَّعَةِ وَالْيُسْرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُتْرَكَ أَمْرُ التَّشْرِيعِ إِلَيْهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ أَحْكَامُهَا تَسُؤْكُمْ وَتُحْرِجْكُمْ، وَمَتَى سَأَلْتُمْ عَنْهَا فِي عَهْدِ التَّشْرِيعِ لابد أَنْ تُجَابُوا وَتُبَيَّنَ لَكُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الْبَيَانَ قَدْ يَسُدُّ فِي وُجُوهِكُمْ بَابَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ إِلَيْكُمْ، وَيُقَيِّدُكُمْ بِقُيُودٍ أَنْتُمْ فِي غِنًى عَنْهَا وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ هَذَا الْمَبْحَثِ قَرِيبًا عَقِبَ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ.
فَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي إِبْدَاءَهَا لَكُمْ، وَإِبْدَاؤُهَا يَقْتَضِي مَسَاءَتَكُمْ، فَيَجِبُ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ.
وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ السُّؤَالِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ شَأْنِ إِبْدَائِهَا أَنْ يَسُوءَ السَّائِلِينَ إِلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ فِي شَأْنِهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهِ إِجْمَالٌ وَأَرَدْتُمُ السُّؤَالَ عَنْ بَيَانِهِ لِيَظْهَرَ لَكُمْ ظُهُورًا لَا مِرَاءَ فِيهِ، كَمَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ تَقَدَّمَ بَيَانَهُ بِالتَّفْصِيلِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا جَوَازُ السُّؤَالِ عَنْ تِلْكَ بِشَرْطِهِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ، فَالسُّؤَالُ عَمَّا ذُكِرَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِإِطْلَاقٍ.
وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَقْتَضِي أَجْوِبَتُهَا تَشْرِيعًا جَدِيدًا، وَأَحْكَامًا تَزِيدُ فِي مَشَقَّةِ التَّكَالِيفِ، وَلَا يَظْهَرُ أَلْبَتَّةَ فِي سُؤَالِ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ لِمَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ إِجَابَةِ مُقْتَرَحِي الْآيَاتِ لِعِنَادِهِمْ وَمُشَاغَبَتِهِمْ، وَكَوْنِ الْإِجَابَةِ تَقْتَضِي هَلَاكَهُمْ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا، كَمَا هِيَ سُنَّةٌ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا هَذَا الْوَعْدُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الِاقْتِرَاحَاتُ مِنَ الْكَافِرِينَ.
قُلْنَا: لَوْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فَهِمُوا مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُمْ يُجَابُونَ إِلَى مَا يَقْتَرِحُونَ مِنَ الْآيَاتِ لَوُجِدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقْتَرِحُ ذَلِكَ لِمَا لِلنُّفُوسِ مِنَ الشَّوْقِ إِلَى رُؤْيَةِ الْآيَاتِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي تَقْتَضِي أَجْوِبَتُهَا إِخْبَارًا عَنْ أَسْرَارٍ خَفِيَّةٍ وَأُمُورٍ غَيْبِيَّةٍ، فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ كُلٌّ مِنَ الْجَوَابَيْنِ مِثْلَ ظُهُورِهِ فِي طَلَبِ الْأَحْكَامِ، وَلاسيما الْأَشْيَاءُ الشَّخْصِيَّةُ كَسُؤَالِ بَعْضِهِمْ عَنْ أَبِيهِ، فَإِذَا صَحَّ أَنَّهُ مُرَادٌ مِنَ الْآيَةِ فَوَجْهُهُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ زَمَنَ نُزُولِ الْقُرْآنِ هُوَ زَمَنُ بَيَانِ الْمُغَيَّبَاتِ وَإِظْهَارِهَا، لِلرَّسُولِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَمِنْهُ وَقْتُ السُّؤَالِ عَنْهَا، فَإِنَّهُ إِنْ سُئِلَ عَنْهَا يُخْبِرْهُ اللهُ بِهَا مَزِيدًا فِي إِثْبَاتِ ثُبُوتِهِ وَرِسَالَتِهِ، كَمَا أَخْبَرَهُ بِالْجَوَابِ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، حِينَ سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْهَا، وَعِنْدِي أَنَّ جَوَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَبِيهِ جَوَابٌ شَرْعِيٌّ لَا غَيْبِيٌّ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِتِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَبُوكَ الشَّرْعِيُّ مَنْ وُلِدْتَ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ حُذَافَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَهَذَا مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِتَعْلِيمِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ مِنَ السُّؤَالِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (2: 189) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (ج2).
وَهَذَهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَقَدْ غَفَلَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِهِ كَالْعَقَائِدِ وَالْأَخْبَارِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَطْلُبُ الْعَمَلَ بِهِ وَهُوَ الْأَحْكَامُ. وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ- دَعْ تَرْكَهُ وَعَدَمَهُ- يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ، أَوِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الْمُرَادِ لِلشَّارِعِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْعِهِ تَرْكُهُ الِاجْتِهَادَ لِلنَّاسِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا وَلَا ذَاكَ السُّؤَالُ عَنِ الْأُمُورِ الشَّخْصِيَّةِ كَسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ نَاقَتِهِ، وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا هَذَا النَّوْعَ مِنَ السُّؤَالِ غَايَةً فِي خَفَاءِ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ فَحِكْمَتُهُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ عَدَمَ إِبْدَاءِ الْجَوَابِ لِلسَّائِلِ الْمُؤْمِنِ رُبَّمَا كَانَ مُشَكِّكًا لَهُ فِي رِسَالَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَهَبَ أَبُو السُّعُودِ مَذْهَبًا غَرِيبًا فِي الْآيَةِ وَتَعْلِيلِ إِبْدَاءِ الْأَشْيَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا بِمَا يُوجِبُ الْمَسَاءَةَ فِي كُلِّ نَوْعَيْهَا، فَقَالَ: الْمُرَادُ بِهَا مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَيَغُمُّهُمْ مِنَ التَّكَالِيفِ الصَّعْبَةِ الَّتِي لَا يُطِيقُونَهَا، وَالْأَسْرَارِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَفْتَضِحُونَ بِظُهُورِهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ، فَكَمَا أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ مُسْتَتْبَعٌ لِإِبْدَائِهَا، كَذَلِكَ السُّؤَالُ عَنِ التَّكَالِيفِ مُسْتَتْبَعٌ لِإِيجَابِهَا عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ التَّشْدِيدِ لِإِسَاءَتِهِمُ الْأَدَبَ وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَالْمُرَاجَعَةِ، وَتَجَاوُزِهِمْ عَمَّا يَلِيقُ بِشَأْنِهِمْ مِنَ الِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فِيهِ وَلَا تَعَرُّضٍ لِكَيْفِيَّتِهِ وَكِمِّيَّتِهِ. اهـ.
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ ثَلَاثَةَ إِيرَادَاتٍ وَأَجَابَ عَنْهَا فَقَالَ:
إِنْ قُلْتَ: تِلْكَ الْأَشْيَاءُ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْمَسَاءَةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِإِيجَابِ الْمَسَرَّةِ أَيْضًا، لِأَنَّ إِيجَابَهَا لِلْأُولَى إِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ وَجُودُهَا فَهِيَ مِنْ حَيْثُ عَدَمُهَا مُوجِبَةٌ لِلْأُخْرَى قَطْعًا، وَلَيْسَتْ إِحْدَى الْحَيْثِيَّتَيْنِ مُحَقَّقَةً عِنْدَ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ مِنَ السُّؤَالِ ظُهُورُهَا كَيْفَ كَانَتْ، بَلْ ظُهُورُهَا بِإِيجَابِهَا لِلْمَسَاءَةِ؟
قلت: لِتَحْقِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا سَنَعْرِفُهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَأْكِيدِ النَّهْيِ وَتَشْدِيدِهِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلِانْتِهَاءِ وَالْإِنْزِجَارِ لَا حَيْثِيَّةَ إِيجَابِهَا لِلْمَسَرَّةِ، وَلَا حَيْثِيَّةَ تَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْإِيجَابَيْنِ.
إِنْ قِيلَ: الشَّرْطِيَّةُ الثَّانِيَةُ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَسَاءَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِإِبْدَائِهَا أَلْبَتَّةَ كَمَا مَرَّ، فَلِمَ تَخَلَّفَ الْإِبْدَاءُ عَنِ السُّؤَالِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ حَيْثُ لَمْ يُفْرَضْ فِي كُلِّ عَامٍ؟
قُلْنَا: لِوُقُوعِ السُّؤَالِ وَوُرُودِ النَّهْيِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الشَّرْطِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ السُّؤَالُ الْوَاقِعُ بَعْدَ وُرُودِهِ، إِذْ هُوَ الْمُوجِبُ لِلتَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَا تَخَلُّفَ فِيهِ.
إِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتَهُ إِنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إِذَا كَانَ السُّؤَالُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ كَمَا ذُكِرَ مِنَ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَنِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ قَبْلَهُ فَلَا يَكَادُ يَتَمَشَّى؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبْدَاءُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مَرَدَّ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ السُّؤَالُ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاقِعُ مَا يُوجِبُ الْمَسَرَّةَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبْدَاءُ لَا غَيْرُهُ، فَيَتَعَيَّنُ التَّخَلُّفُ حَتْمًا.
قُلْنَا: لَا احْتِمَالَ لِلتَّخَلُّفِ فَضْلًا عَنِ التَّعَيُّنِ، فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ السُّؤَالُ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَسَاءَةِ الْوَاقِعَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ السُّؤَالِ، كَسُؤَالِ مَنْ قَالَ: أَيْنَ أَبِي؟ لَا عَمَّا يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا مِمَّا لَيْسَ بِوَاقِعٍ لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِلْوُقُوعِ عِنْدَ الْمُكَلَّفِينَ حَتَّى يَلْزَمَ التَّخَلُّفُ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْوُقُوعِ، اهـ.
وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ نَهْيُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ السُّؤَالِ عَمَّا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ يَسُوؤُهُمْ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ دُونَ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُرُّهُمْ أَوْ يَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلْمَسَرَّةِ وَالْمَسَاءَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ السُّؤَالِ قَلَّمَا يَقَعُ مِنْ أَحَدٍ وَأَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتَّشْدِيدِ، عُقُوبَةً لَهُ وَلِجَمِيعِ الْأُمَّةِ عَلَى إِسَاءَةِ أَدَبِهِ، وَإِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ بَعِيدٌ عَنِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، غَيْرُ مُنْطَبِقٍ عَلَى عُمُومِ الرَّحْمَةِ وَيُسْرِ الشَّرْعِ، وَقَدْ غَفَلَ قَائِلُهُ عَفَا اللهُ عَنْهُ عِنْدَ كِتَابَتِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُفَكِّرْ إِلَّا فِي ظَوَاهِرِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَلَا نَتَوَسَّعُ فِي بَسْطِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَقْرِيرِ الصَّوَابِ الَّذِي هَدَانَا اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ.